حياة الملحد في مجتمع متدين

في هذه التدوينة ساتكلم عن حياتي الشخصية وبعض المواقف التي امر بها كإنسان ملحد في مجتمعي المتدين المسلم وبعض المواقف التي تمنيت ان اقول : انا ملحد ولست مسلماً ! لكني فضلت السكوت !!

دعوني في البدأ ان اوضح بعض الامور عني قبل ان اذكر كم موقف مر بي ، انا ملحد منذ سنة ٢٠١١ ، عائلتي واصدقائي المقربين يعرفون اني ملحد لكن عامة الناس لا يعرفون بالحادي .

احد الموقف التي مررت بها هو : في اخر شهر رمضان الفائت وعند وقت الغروب وقبل ان يؤذن المؤذن معلناً وقت الافطار بدقائق ( في هذا الوقت تجد الجميع مستعجلين اصحاب المحلات التجارية يغلقون ابوابهم والسيارات تسير بسرعة كبيرة لكي يصلوا لبيوتهم ليفطروا بعد صيام يوم حار وطويل - تصل الحرارة قرابة ٥٠ مئوية  وهنا في العراق تقريبا عدد ساعات الصيام ١٦ ساعة -  ولن تجد سيارات تاكسي او نقل عمومي في هذا الوقت ، وتكثر الازدحامات والحوادث ) انا كنت عائد بسيارتي للبيت وطبعا اسير بشكل طبيعي لكوني غير صائم فلا داعي للعجلة ، وفي الطريق وقرب السوق شاهدت رجل في الخمسينات من عمره يقف ويمسك بيده اكياس من الاكل التي اشتراها كفطور لعائلته وهو يحاول جاهدا ان يوقف احد المارة ، سيارات او دراجات نارية او اي شيء لكي يوصله بسرعه لمنزله الواقع في منطقة بعيدة نسبيا عن السوق ، ولكن لم يقف له اي احد من المارة لان الجميع مستعجل !! وفي هذه الاثناء اذن المؤذن وهو لا يزال واقف ويتصبب عرقاً لان الجو حار جدا ودرجة الرطوبة عاليه ، ففكرت  ان اذهب اليه لاوصله بسيارتي الى منزلة لانه بالتاكيد الان جائع وعطشان فذهبت اليه واخبرته ان يصعد للسيارة لاوصله بطريقي , قال لي الى اين انت ذاهب ، قلت له الى المنطقة ( الفلانيه ) فتأسف  وقال لكن منزلي في المنطقة ( العلانيه ) وهي تقع في الجهة المعاكسة من المدينة ، قلت له لا عليك سأوصلك الى حيث تريد ففرح وصعد في السيارة ، وقال : " هذا طعام لعائلتي وهم الان جائعين لانه ليس لديهم ما يفطرون به وانا تأخرت عليهم لاني لم اجد من يقلني الى المنزل فالكل مستعجل لكي يفطر ولا احد يفكر بغيره ، انهم يصومون فقط لانهم اعتادوا على الصيام وليس لان الاسلام امرهم ! انهم اشباه مسلمين وانت هو المسلم الحقيقي !! وهذا واضح من النور في وجهك !! "

ادرت رأسي عليه وابتسمت واردت ان اقول له : " انت مخطئ يا سيدي فانا ملحد وهؤلاء هم المسلمين الحقيقيين ، والمشكلة ليست فيهم بل في الاسلام الذي منعهم من الاكل وجعلهم لا يفكرون الا في اشباع بطونهم الجائعة وينسون كل شي اخر " لكني فضلت السكوت .

بعدها وصلنا لمنزله وطلب مني ان افطر عنده فرفضت ، تشكر مني واخذ يدعو الله ان يوفقني ويرزقني ، وعندها اردت ان اقول له " لا تتعب نفسك في الدعاء فليس هناك إله ليسمعك " لكني لم اقل شيئاً . 

وفي موقف اخر عندما وجدت رجل عجوز اعمى في السوق وهو يمسك بيده ورقه فيها عنوان احد المحال التجارية الذي باع لاحد اولاده "طباخ" عاطل وغشه فيه وهو يريد ان يرجعه له ، وكان الرجل يسأل اصحاب المحال والناس المارة اذا كان احدهم يعرف هذا العنوان لكن لم يكترث له احد وكان البعض يشير له بالذهاب من هذا الاتجاه وبشكل خاطئ ، على الرغم من ان العنوان يقع خلف الشارع الموجودين فيه ، وانا كنت في الصدفة اقف داخل احد المحال التجارية اشتري واتى هذا العجوز يسأل صاحب المحل وكانت ملابسه متسخة وممزقة ومنظره غير لائق فاخذ صاحب المحل ومعه كم شاب يسخرون منه !! في البداية انا ضننته شخص مجنون لان منظره يوحي بذلك ولكثرة المجانين الذين يتجولون في هذا الوقت ( في منتصف الظهيرة ) ، لكن بعدها اخذ الرجل العجوز يبكي ويقول : منذ ثلاثة ساعات وانا احاول جاهدا ان اعثر على هذا العنوان ولم اعثر عليه لان من اسألهم يدلوني على عناويين خاطئة ، عندها رق قلب صاحب المحل عليه واشار اليه الى العنوان ( وكان العنوان صحيح ) لكن الرجل العجوز طلب منه ان يأخذه بنفسه الى العنوان واراد ان يمسك بيد صاحب المحل لكن صاحب المحل ابعد يده وقال له : " لا تلمسني انت قذر " !! عندها تقدمت انا نحو الرجل العجوز وامسكته من يده واخذته الى العنوان ، وفي الطريق قال لي الرجل العجوز والدمعة في عينه : " انا مسلم مثلكم وانا لست نجساً حتى لا يريد صاحب المحل ان يلمسني ! " ، فابتسمت وقلت له : " يا حاج انا لا اعتبرك نجساً لكن انتم تعتبرني انا النجس " ، بدت علامات الاستغراب على وجه العجوز لكنه سكت ، قلت له : " يا حاج اليس عندك اولاد او شخص يأتي بدلاً عنك ؟ " قال لي : " عندي ثلاثة اولاد لكنهم ذهبوا مع الحشد الشعبي لقتال داعش تلبية لنداء المرجعية " , فقلت له : " ومن يهتم بك الان " , قال : " لا احد " , قلت له : " يبدو ان اولادك مؤمنين جدا !! " ، بعدها اوصلته للعنوان واخذ العجوز يدعو الله ان يجازيني بالجنة ، فقلت في نفسي " لا حاجة لي بالجنة ، وانا ساعدتك لان الانسانية دفعتني لهذا الفعل وليس لاني اطمع بالجنة " ، وبعدها ذهبت .

وهناك الكثير من المواقف التي مررت بها وساعدت الكثيرين مثل المرأة العجوز التي رماها ابنها خارج المنزل وساعدتها , والطفل اليتيم الذي وجدته في الشارع وساعدته , والمرأة التي اعطيتها المال لان زوجها شهيد وهي لا تملك المال لتدفع ايجار المنزل !! وغيرهم الكثير ، وما يلفت انتباهي في كل مرة ان من اساعدهم يتوقعون اني انسان مؤمن وملتزم جدا لذلك ساعدتهم !! وهم لا يعرفون اني ملحد ، وكم تمنيت ان اقول في تلك اللحظات " انا ملحد والانسانية هي التي تدفعني لاساعدكم وليس الدين " .

عندما اساعد شخص اشعر بسعادة كبيرة في داخلي وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعلني اساعد الاخرين .

الهدف من هذه التدوينة هو ان اوصل رسالة الى كل شخص مؤمن ويعيش في احد الدول العربية والتي بطبيعة الحال ذات غالبية مسلمة وقد يتصور البعض ان الملحدين موجودين فقط على الانترنت ولا وجود لهم على ارض الواقع ! لاقول لهم انكم مخطئون يا سادة الملحدين موجودين في كل مكان يمكن ان تتواجدوا فيه انتم ، في السوق وفي مكان العمل وفي الشارع وفي الحدائق والمتنزهات وفي السيارات ووسائل النقل العمومية ، وقد يكون الملحد هو صاحب المحل الذي تشتري منه طعامك او سائق التكسي الذي يوصلك لمنزلك او قد يكون هو مديرك في العمل او زميلك او صديقك وحتى يمكن ان يكون اخوك او اختك او ابنك او بنتك ، وانت لا تعلم !!

ببساطة شديدة الملحد هو انسان مثلك تماما وليس وحش او انسان متوحش او قد تضن انه يمكنك معرفته من خلال اخلاقه السيئة ومنظره القبيح !!! ومخطئ كثيرا من يفكر هكذا ، اولا الدين ليس هو مصدر الاخلاق لذا يمكن ان يكون الملحد ذو درجة عالية من الاخلاق ( وهذا ما اود ان اوضحه في هذه التدوينة من خلال بعض الامثلة الشخصية ) ، وطبعا كلامي هنا لا يعني ابدا ان كل الملحدين ذوو اخلاق عالية ولا يعني كذلك ان المؤمنين لا يملكون الاخلاق ، بل كل ما في الامر ان الاخلاق غير مرتبطة بالدين فيمكن ان تجد الملحد الجيد والملحد السيء وكذلك الامر بالنسبة للمؤمنين .

لكن من خلال تجاربي الشخصية ومعرفتي للكثير من الملحدين ومخالطتي واختلاطي بهم لكوني ملحد وكذلك احتكاكي المباشر بالكثير من المؤمنين وبالذات المسلمين لأني اعيش في وسط مجتمع اسلامي يمكنني ان اقول ان الملحدين بصورة عامة اكثر وعي وثقافة واخلاق بكثير من المسلمين , لا اقول هذا الكلام لاني ملحد ابدا بل هذا ما المسه من الواقع واعتقد ان اي شخص حتى لو كان مؤمن ولديه احتكاك بالملحدين سيقول نفس الكلام , في بعض الاحيان تجد الملحدين يستهزئون بالله والانبياء والمعتقدات الدينية !! أولاً الاستهزاء بالمعتقد الديني للمؤمن لا يعني ابدا التقليل من احرام الانسان المؤمن هناك فرق شاسع بين الايمان والمؤمن ، وثانياً الكثير من الملحدين يتقصدون الاستهزاء من الله امام المتدين - وقد لا يفعلون ذلك امام الملحدين ( فيما بينهم ) - وذلك لان المتدين لا يمكنه ان يرى حقيقة الامور وهو يقدسها ولمحو هالة القدسية من امام الشخص المؤمن يلجئ البعض لطريقة الاستهزاء وهناك دراسات نفسية تؤكد هذا الكلام يمكنك البحث عنها في الانترنت ، وانا عن نفسي لم اكن مقتنع بهذه الفكرة من قبل وقد رفضت هذا الاسلوب وقد تجادلت مع الكثير من الملحدين بهذا الشأن لكن في الاخر بعد تجاربي في النقاش مع العديد من المؤمنين اقتنعت بفاعلية هذه الفكرة ليس بشكل لحظي لان المؤمن سيغضب عند سماعه لشخص يستهزئ بمعتقده لكن بعد فترة من سماعه للاستهزاءات ستجده قل عنده شدة التطرف والتعصب لمعتقده ودينه وعندها يمكن النقاش معه بمنطقية وعقلانيه .

كما قلت قبل قليل ان الدين ليس هو مصدر الاخلاق لا بل اعتقد العكس بحسب ما المسه من الواقع ، ولتفسير ما الاحظه من قلة اخلاق ووعي وثقافة المؤمنين ، هو ان الدين يعلمنا ان نكون لا اخلاقيين وذلك لعدة اسباب أولاً لان الدين جاء في زمن مختلف عن زمننا هذا وبطبيعة الحال الاخلاق تتغير وتتطور بتطور مفاهيم الانسان وهنا يبقى المؤمن على الاخلاق القديمة التي تعلمها من الدين القديم ، وثانياً لان الدين لا يتقبل المختلف بل يحاول اتباع كل دين ان يطبقوا تعاليم دينهم ويفرضوه على الجميع تعسفا فضلا عن ان المتدين يعمل ليرضي الله ولمصلحته ( الله ) وليس لمصلحة الانسانية والبشرية .

وللانصاف لا يمكن ان اضع جميع المؤمنين في سلة اخلاق واحدة , فمثلا من خلال معرفتي ببعض المسيحيين وجدت انهم اكثر اخلاق بكثير من المسلمين ! ولتوضيح الامر دعوني اضرب مثالين متشابهين حدثا معي , قبل فترة ارسلت لي فتاة طلب صداقة على الفيسبوك ( انا لا اعرفها ) , وافقت على طلب الصداقة بعدها بدأت تراسلني على الخاص وبدأنا نتحدث في أمور عامة وكانت الفتاة جداً مؤدبة وخلوقة , بعدها ولكي أتعرف عليها اكثر قررت ان ازور صفحتها الشخصية لكي ارى ما هو تفكيرها من خلال منشوراتها , تفاجئت ان اكثر منشوراتها اسلامية ( عبارة عن ادعية ) ! فسألتها : " هل انت مسلمة ؟ " , قالت : " نعم وانت ؟ " , قلت : " انا ملحد " , فجأتاً تحولت الفتاة اللطيفة والخلوقة الى " زومبي " وبدأت تسب وتشتم ولم تدع شتيمة الا وقالتها وانا متفاجئ ولم انبس بأي كلمة , وبعد اسطر من الشتم قالت : " الغي طلب الصداقة " , فقلت لها " انت من ارسلتي الطلب وانت الغي الصداقة ان شئتي " فقالت " لكني الان استخدم الهاتف ولا اعرف كيف الغي الصداقة " , قلت لها " حسناً سألغي انا الصداقة واعطيكي حضر ايضا حتى لا تريني مجددا لكن قبل ذلك قولي لي ماذا تعرفين عن الملحدين ؟ " , فأجابت " ملحد يعني مسيحي " , فضحكت وقلت لها " خطأ الملحد هو الانسان الذي لا يؤمن بوجود إله .... " وشرحت لها اكثر عن الالحاد وبعدها الغيت الصداقة واعطيتها حظر !!

وطبعا هذا السلوك لا يعبر عن هذه الفتاة وحدها بل هذه ظاهرة عامة عند المسلمين عندما يعرفون ان المقابل ملحد إما يسبون ويشتمون او يحاولون ان يهدوك ( أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ) بكلامهم الفارغ والذي يتصورون ان الملحد جاء من كوكب اخر ولا يعرف خزعبلاتهم !! يعني ببساطة مستحيل يتقبلون انك مختلف عنهم .

والان لنأخذ موقف مشابه مع فتاة مسيحية تعرفت عليها عبر احد برامج التواصل الاجتماعي , بعد مراسلات دامت بيننا ثلاثة او اربع ايام , وفي نهاية كل مراسلة كانت تقول God bless you ( بارك الله فيك ) , وفي إحدى المناسبات سألتها عن دينها فقالت : " انا مسيحية وانت " , قلت : " انا ملحد " , قالت : " انا اسفة جداً لاني في كل مرة ننهي مراسلتنا اقول لك - بارك الله فيك - وانت لا تؤمن بالله لذا انا اسفة ولن اذكر الله امامك ثانيتا " , صراحة ادهشني جوابها !! وتذكرت تلك الفتاة المسلمة لانه كانت فقط بضعة ايام بين الموقفين .

والان ادع الحكم للقارئ ليقول رأيه في الاختلاف الشاسع بين الاثنين ( واكيد هناك العشرات من المواقف حدثت معي تبين الفرق بين اخلاق الطرفين جعلتني اكون رأيي هذا ولكن هذا مثال واحد فقط )

هذا من ناحية ومن ناحية اخرى اذا كان شخص ملحد ذو اخلاق واخر مؤمن ذو اخلاق ايضا ، فأخلاق من هي الافضل ؟؟

اكيد سيكون الجواب اخلاق الملحد افضل بكثير ! لماذا ؟ لان الاخلاق يجب ان تخرج من ذات الشخص وليس بسبب خوف او طمع في شيء ، مثلا المجرم الذي لا يقتل او يسرق خوفا من رجال الشرطة والعقاب هل يمكن ان نساويه مع الانسان الذي لا يفعل هذه الاشياء لانه يعرف ان هذا الفعل خطأ ، الاول اذا غاب عنه رجال الشرطة واستطاع ان يفعل فعلته الشنيعة ويهرب دون الامساك به سيفعل اما الثاني فلن يفعل ما هو سيء حتى لو استطاع ان يفعل وينجو بفعلته ، هكذا بالضبط هي اخلاق المؤمن الذي يخاف من عقاب الله والملحد الذي يحكّم عقله ويعرف عاقبة كل فعل على المجتمع ومردود ذلك عليه .

شارك المقال